فصل: الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي اتِّبَاعِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي أَحْكَامِهِ:

اخْتَارَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدّين أَن الْمُنْقَطع مجَاز وَفِيه خلاف وَوَافَقَهُ القَاضِي عبد الْوَهَّاب وَذكر أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ لَهُ عِنْدِي مِائَةُ دِينَارٍ إِلَّا ثَوْبًا مِنْ هَذَا الْبَابِ وَأَنَّهُ جَائِزٌ عَلَى الْمَجَازِ وَأَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الْقيمَة خلافًا لمن قَالَ إِنَّه مُقَدّر بلكن وَلِمَنْ قَالَ إِنَّهُ كَالْمُتَّصِلِ وَيَجِبُ اتِّصَالُ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَادَةً خِلَافًا لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنهُ قَالَ الإِمَام فَخر الدّين إِنْ صَحَّ النَّقْلُ عَنْهُ يُحْمَلْ عَلَى مَا إِذَا نَوَى عِنْدَ التَّلَفُّظِ ثُمَّ أَظْهَرَهُ بَعْدَ ذَلِك وَاخْتَارَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب جَوَاز اسْتثِْنَاء الْأَكْثَر وَوَافَقَهُ الإِمَام فَخر الدّين وَاخْتَارَ القَاضِي أَبُو بكر أَنه يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ وَقِيلَ قَدْ يَجُوزُ الْمُسَاوِي دُونَ الْأَكْثَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ} وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ أَكْثَرُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ اتِّفَاقًا وَمن النَّفْي إِثْبَات خلافًا لأبي حنيفَة رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِنْ أَصْحَابِهِ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ يَحْكِي التَّسْوِيَة بَينهمَا فِي عدم إِثْبَات نفيض الْمَحْكُومِ بِهِ بَعْدَ إِلَّا لَنَا أَنْهُ الْمُتَبَادِرُ عرفا فَيكون لُغَة لِأَن الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْلِ وَالتَّغْيِير وَاعْلَمْ أَنَّ الْكُلَّ اتَّفَقُوا عَلَى إِثْبَاتِ نَقِيضِ مَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ لِمَا بَعْدَهُ وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فَنَحْنُ نُثْبِتُ نَقِيضَ الْمَحْكُومِ بِهِ وَالْحَنَفِيَّةُ يُثْبِتُونَ نَقِيضَ الْحُكْمِ فَيَصِيرُ مَا بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ غَيْرَ مَحْكُومٍ عَلَيْهِ بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ وَإِذَا تَعَقَّبَ الِاسْتِثْنَاءَ الْجُمَلُ يُرْجَعُ إِلَى جُمْلَتهَا عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله وَعند أصحابهما وَإِلَى الْأَخِيرَة عِنْد أبي حنيفَة وَمُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ عِنْدَ الشَّرِيفِ الْمُرْتَضَى وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ فَقَالَ إِنْ تَنَوَّعَتِ الْجُمْلَتَانِ بِأَنْ تَكُونَ إِحْدَاهُمَا خَبَرًا وَالْأُخْرَى أَمْرًا عَادَ إِلَى الْأَخِيرَةِ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ تَتَنَوَّعِ الْجُمْلَتَانِ وَلَا كَانَ حُكْمُ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَلَا أُضْمِرَ اسْمُ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَإِلَّا عَاد إِلَى الْكل وَاخْتَارَهُ الإِمَام فَخر الدّين وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مِنَّا فِي الْجَمِيعِ وَإِذَا عُطِفَ اسْتِثْنَاءٌ عَلَى اسْتِثْنَاءٍ فَإِنْ كَانَ الثَّانِي بِحَرْفِ عَطْفٍ أَوْ هُوَ أَكْثَرُ مِنَ الِاسْتِثْنَاء الأول أَو مُسَاوِيا لَهُ عَاد إِلَى أصل الْكَلَام الاستحالة الْعَطْفِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَإِخْرَاجِ الْأَكْثَرِ أَوِ الْمُسَاوِي وَإِلَّا عَاد إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ تَرْجِيحًا لِلْقُرْبِ وَنَفْيًا لِلَغْوِ الْكَلَامِ.
فَائِدَتَانِ:
الْأُولَى:
قَدْ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ عِبَارَةً عَمَّا لَوْلَاهُ لَعُلِمَ دُخُولُهُ أَوْ مَا لَوْلَاهُ لَظُنَّ دُخُولُهُ أَوْ مَا لَوْلَاهُ لَجَازَ دُخُولُهُ أَوْ مَا لَوْلَاهُ لَقُطِعَ بِعَدَمِ دُخُولِهِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:
فَالْأَوَّلُ: الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ النُّصُوصِ نَحْوَ لَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ إِلَّا اثْنَيْنِ.
وَالثَّانِي: الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الظَّوَاهِرِ نَحْوَ اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَّا زَيْدًا.
وَالثَّالِثُ: الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْمَحَالِّ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ نَحْوَ أَكْرِمْ رجلا إِلَّا زيدا أَو مروا وصل إِلَّا عِنْد الزول {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ}.
وَالرَّابِعُ: الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْقَطِعُ نَحْوَ رَأَيْتُ الْقَوْمَ إِلَّا حِمَارًا.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ إِطْلَاقَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُخَصَّصًا فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاء يرد على الْإِثْبَات وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالْأَحْكَامِ وَالْأُمُورِ الْعَامَّةِ الَّتِي لَمْ يُنْطَقْ بِهَا فَالْأَوَّلُ نَحْوَ لَا عُقُوبَةَ إِلَّا بِجِنَايَةٍ وَالثَّانِي نَحْوَ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهَارَةٍ وَالثَّالِث نَحْو لَا تسْقط الصَّلَاة عَن امْرَأَة إِلَّا بِالْحَيْضِ وَالرَّابِعُ نَحْوَ قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا، وَالْخَامِسُ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بكم} وَلَمَّا كَانَتِ الشُّرُوطُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا الْوُجُودُ وَلَا الْعَدَمُ لَمْ يَلْزَمْ مِنَ الْحُكْمِ بِالنَّفْي قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ الْحُكْمُ بِالْوُجُودِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَجْلِ وُجُودِهِ فَيَكُونُ مُطَّرِدًا فِيمَا عدا الشَّرْط.

.الباب التَّاسِعُ فِي الشَّرْطِ:

وَفِيهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ:

.الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي أَدَوَاتِهِ:

وَهِيَ إِنْ وَإِذَا وَلَوْ وَمَا تَضَمَّنَ مَعْنَى إِنْ فَإِنْ تَخْتَصُّ بِالْمَشْكُوكِ فِيهِ وَإِذَا تَدْخُلُ عَلَى الْمَعْلُومِ وَالْمَشْكُوكِ وَلَوْ تَدْخُلُ عَلَى الْمَاضِي بِخِلَافِهِمَا.

.الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي حَقِيقَتِهِ:

وَهُوَ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ ثُمَّ هُوَ قَدْ لَا يُوجَدُ إِلَّا مُتَدَرِّجًا كَدَوَرَانِ الْحَوْلِ وَقَدْ يُوجَدُ دُفْعَةً كَالنِّيَّةِ وَقَدْ يَقْبَلُ الْأَمْرَيْنِ كَالسُّتْرَةِ فَيُعْتَبَرُ مِنَ الْأَوَّلِ آخِرُ جُزْءٍ مِنْهُ وَمِنَ الثَّانِي جُمْلَتُهُ وَكَذَلِكَ الثَّالِثِ لِإِمْكَانِ تَحَقُّقِهِ فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ عَدَمَهُ اعْتُبِرَ أَوَّلُ أَزْمِنَةِ عَدَمِهِ فِي الثَّلَاثَةِ.

.الْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي حُكْمِهِ:

إِذَا رُتِّبَ مَشْرُوطٌ عَلَى شَرْطَيْنِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ حُصُولِهِمَا إِنْ كَانَا عَلَى الْجَمْعِ وَإِنْ كَانَا عَلَى الْبَدَلِ حَصَلَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَإِلَى الْمُعَلق تَعْيِينه لِأَن الْحَاصِل أَن الشَّرْط هُوَ الْمُشْتَرك بَيْنَهُمَا وَإِذَا دَخَلَ الشَّرْطُ عَلَى جُمَلٍ رُجِعَ إِلَيْهَا عِنْدَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْحَنَابِلَةِ وَإِلَى مَا يَلِيهِ عِنْدَ بَعْضِ الْأُدَبَاءِ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ التَّوَقُّفَ وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ اتِّصَالِ الشَّرْطِ بِالْكَلَامِ وَعَلَى حُسْنِ التَّقْيِيدِ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ بِهِ أَكْثَرَ مِنَ الْبَاقِي وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ فِي اللَّفْظِ وَتَأْخِيرُهُ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ تَقْدِيمَهُ خِلَافًا للقراء جَمْعًا بَيْنَ التَّقَدُّمِ الطَّبْعِيِّ وَالْوَضْعِيِّ.

.الباب الْعَاشِرُ فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ:

التَّقْيِيدُ وَالْإِطْلَاقُ أَمْرَانِ اعْتِبَارِيَّانِ فَقَدْ يَكُونُ الْمُقَيَّدُ مُطْلَقًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى قيد آخر كالرقبة الْمَمْلُوكَة هِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالْمِلْكِ وَهِيَ مُطْلَقَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِيمَانِ وَقَدْ يَكُونُ الْمُطْلَقُ مُقَيَّدًا كَالرَّقَبَةِ مُطْلَقَةً وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالرِّقِّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ حَقِيقَةٍ إِنِ اعْتُبِرَتْ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ فَهِيَ مُطْلَقَةٌ وَإِنِ اعْتُبِرَتْ مُضَافَةً إِلَى غَيْرِهَا فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ وَوُقُوعُهُ فِي الشَّرْعِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مُتَّفِقُ الْحُكْمِ وَالسَّبَبِ كَإِطْلَاقِ الْغَنَمِ فِي حَدِيثٍ وَتَقْيِيدِهَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ بِالسَّوْمِ وَمُخْتَلِفُ الْحُكْمِ وَالسَّبَبِ كَتَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ بِالْعَدَالَةِ وَإِطْلَاقِ الرَّقَبَةِ فِي الظِّهَارِ وَمُتَّحِدُ الْحُكْمِ مُخْتَلِفُ السَّبَبِ كَالْعِتْقِ مُقَيَّدٌ فِي الْقَتْلِ مُطْلَقٌ فِي الظِّهَارِ وَمُخْتَلِفُ الْحُكْمِ مُتَّحِدُ السَّبَبِ كَتَقْيِيدِ الْوُضُوءِ بِالْمَرَافِقِ وَإِطْلَاقِ التَّيَمُّمِ وَالسَّبَبُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْحَدَثُ.
فَالْأَوَّلُ: لَا يُحْمَلُ فِيهِ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عَلَى الْخِلَافِ فِي دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَالثَّانِي: لَا يُحْمَلُ فِيهِ إِجْمَاعًا.
وَالثَّالِثُ: لَا يُحْمَلُ فِيهِ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عِنْد أَكثر أَصْحَابنَا وَعند الْحَنَفِيَّةِ خِلَافًا لِأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي اخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ اخْتِلَافُ الْأَحْكَامِ فَيَقْتَضِي أَحَدُهُمَا التَّقْيِيدَ وَالْآخَرُ الْإِطْلَاقَ.
وَالرَّابِعُ: فِيهِ خِلَافٌ فَإِنْ قُيِّدَ بِقَيْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ حُمِلَ عَلَى الْأَقْيَسِ مِنْهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَيَبْقَى عَلَى إِطْلَاقِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمُتَقَدِّمِي الشَّافِعِيَّةِ.

.الباب الْحَادِي عشر فِي دَلِيل الْخطاب:

وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ حَقِيقَتُهُ وَأَنْوَاعُهُ الْعَشَرَةُ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابه وَأَصْحَاب الشَّافِعِي وَخَالَفَ فِي مَفْهُومِ الشَّرْطِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ من أَصْحَابنَا وَأَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَشْرُوطَ لَا يَجِبُ انْتِفَاؤُهُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الِانْتِفَاءَ لَيْسَ مَدْلُولًا لِلَّفْظِ وَخَالَفَ فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ أَبُو حنيفَة وَابْنُ سُرَيْجٍ وَالْقَاضِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجُمْهُورُ الْمُعْتَزِلَةِ ووافقنا الشَّافِعِي وَالْأَشْعَرِيُّ وَحَكَى الْإِمَامُ أَنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ لَمْ يَقُلْ بِهِ إِلَّا الدَّقَّاقُ لَنَا أَنَّ التَّخْصِيصَ لَوْ لَمْ يَقْتَضِ سَلْبَ الْحُكْمِ عَنِ الْمَسْكُوتِ عَنهُ للَزِمَ التَّرْجِيح مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ وَهُوَ مُحَالٌ فَرْعَانِ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمَفْهُومَ مَتَى خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ إِجْمَاعًا نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُم خشيَة إملاق} وَلِذَلِكَ يُرَدُّ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَإِنَّ غَالِبَ أَغْنَامِ الْحِجَازِ وَغَيْرِهَا السَّوْمُ الثَّانِي أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالصِّفَةِ فِي جِنْسٍ هَلْ يَقْتَضِي نَفْيَ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَنْ سَائِرِ الْأَجْنَاسِ فَيَقْتَضِي الْحَدِيثُ مَثَلًا نَفْيَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَنْ سَائِرِ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا أَوْ لَا يَقْتَضِي نَفْيَهُ إِلَّا عَنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ خَاصَّةً وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ.

.الباب الثَّانِي عشر فِي الْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ:

وَفِيهِ سِتَّةُ فُصُولٍ:

.الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي مَعْنَى أَلْفَاظِهِ:

فَالْمُبَيَّنُ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ بِالْوَضْعِ عَلَى مَعْنًى إِمَّا بِالْأَصَالَةِ وَإِمَّا بَعْدَ الْبَيَانِ وَالْمُجْمَلُ هُوَ الدَّائِرُ بَيْنَ احْتِمَالَيْنِ فَصَاعِدًا إِمَّا بِسَبَبِ الْوَضْعِ وَهُوَ الْمُشْتَرَكُ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ كَالْمُتَوَاطِئِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جُزْئِيَّاتِهِ فَكُلُّ مُشْتَرَكٍ مُجْمَلٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُجْمَلٍ مُشْتَرَكًا وَقَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ مُبَيَّنًا مِنْ وَجْهٍ مُجْمَلًا مِنْ وَجْهٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَاده} فَإِنَّهُ مُبَيَّنٌ فِي الْحَقِّ مُجْمَلٌ فِي مِقْدَارِهِ وَالْمُؤَوَّلُ هُوَ الِاحْتِمَالُ الْخَفِيُّ مَعَ الظَّاهِرِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمَآلِ إِمَّا لِأَنَّهُ يَؤُولُ إِلَى الظُّهُورِ بِسَبَبِ الدَّلِيلِ الْعَاضِدِ أَوْ لِأَنَّ الْعَقْلَ يؤُولُ إِلَى فَهْمِهِ بَعْدَ فَهْمِ الظَّاهِرِ وَهَذَا وَصْفٌ لَهُ بِمَا هُوَ مَوْصُوفٌ بِهِ فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً وَفِي الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ وَقَدْ لَا يَقَعُ فَيَكُونُ مَجَازًا مُطْلَقًا.

.الْفَصْلُ الثَّانِي: فِيمَا لَيْسَ مُجْمَلًا:

إِضَافَةُ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ إِلَى الْأَعْيَانِ لَيْسَ مُجْمَلًا فَيُحْمَلُ عَلَى مَا يَدُلُّ الْعُرْفُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ عَيْنٍ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ فَيُحْمَلُ فِي الْمَيْتَةِ عَلَى الْأَكْلِ وَفِي الْأُمَّهَاتِ عَلَى وُجُوهِ الِاسْتِمْتَاعِ وَإِذَا دَخَلَ النَّفْيُ عَلَى الْفِعْلِ كَانَ مُجْمَلًا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ نَحْوَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ وَلَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» لِدَوَرَانِ النَّفْيِ بَيْنَ الْكَمَالِ وَالصِّحَّةِ وَقِيلَ إِنْ كَانَ الْمُسَمَّى شَرْعِيًّا انْتَفَى وَلَا إِجْمَالَ وَقَوْلُنَا هَذِهِ صَلَاةٌ فَاسِدَةٌ مَحْمُولٌ عَلَى اللُّغَوِيِّ وَإِنْ كَانَ حَقِيقِيًّا نَحْوَ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَلَهُ حُكْمٌ وَاحِدٌ انْتَفَى وَلَا إِجْمَالَ وَإِلَّا تَحَقَّقَ الْإِجْمَالُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ.

.الْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي أَقْسَامِهِ:

الْمُبَيَّنُ إِمَّا بِنَفْسِهِ كَالنُّصُوصِ وَالظَّوَاهِرِ وَإِمَّا بِالتَّعْلِيلِ كَفَحْوَى الْخِطَابِ أَوْ بِاللُّزُومِ كَالدَّلَالَةِ عَلَى الشُّرُوطِ وَالْأَسْبَابِ وَالْبَيَانُ إِمَّا بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ كَالْكِتَابَةِ وَالْإِشَارَةِ أَوْ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ أَوْ بِالتَّرْكِ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ وَاجِبًا أَوْ بِالسُّكُوتِ بَعْدَ السُّؤَالِ فَيُعْلَمُ عَدَمُ الْحُكْمِ لِلشَّرْعِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ.

.الْفَصْلُ الرَّابِعُ: فِي حكمه:

وَيجوز وُرُود الْجمل فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافًا لِقَوْمٍ لَنَا أَنَّ آيَةَ الْجُمُعَةِ وَآيَةَ الزَّكَاةِ مُجْمَلَتَانِ وَهُمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَجُوزُ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ خِلَافًا لقوم وَإِذَا تَطَابَقَ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ فَالْبَيَانُ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ مُؤَكِّدٌ لَهُ وَإِنْ تَنَافَيَا نَحْوَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ قَرَنَ الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ فَلْيَطُفْ لَهما طَوافا وَاحِدًا وَطَاف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَهُمَا طَوَافَيْنِ فَالْقَوْلُ مُقَدَّمٌ لِكَوْنِهِ يَدُلُّ بِنَفْسِهِ وَيَجُوزُ بَيَانُ الْمَعْلُومِ بِالْمَظْنُونِ خِلَافًا لَلْكَرْخِيِّ.

.الْفَصْلُ الْخَامِسُ: فِي وَقْتِهِ:

مَنْ جَوَّزَ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ جَوَّزَ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَتَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ لِلْخِطَابِ ظَاهِرٌ أُرِيدَ خِلَافُهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ خِلَافًا لِجُمْهُورِ الْمُعْتَزِلَةِ إِلَّا فِي النَّسْخِ وَمَنَعَ أَبُو الْحُسَيْنِ مِنْهُ فِيمَا لَهُ ظَاهِرٌ أُرِيدَ خِلَافُهُ وَأَوْجَبَ تَقْدِيمَ الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ دُونَ التَّفْصِيلِيِّ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا الظَّاهِرُ لَيْسَ مُرَادًا وَيَجُوزُ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تَأْخِيرُ مَا يُوحَى إِلَيْهِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ لَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثمَّ إِن علينا بَيَانه} وَكلمَة ثمَّ للتراخي فَيجوز التَّأْخِير وَهُوَ الْمَطْلُوب.

.الْفَصْل السَّادِس: فِي الْمُبين لَهُ:

يجب الْبَيَان لمن أُرِيد إفهامه فَقَط دون غَيره ثُمَّ الْمَطْلُوبُ قَدْ يَكُونُ عِلْمًا فَقَطْ كَالْعُلَمَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَيْضِ أَوْ عَمَلًا فَقَطْ كَالنِّسَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَفِقْهِهِ أَوِ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ كَالْعُلَمَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحْوَالِهِمْ أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ كَالْعُلَمَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكُتُبِ السَّالِفَةِ وَيَجُوزُ إِسْمَاعُ الْمَخْصُوصِ بِالْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وِفَاقًا وَالْمَخْصُوصِ بِالسَّمْعِ بِدُونِ بَيَانِ مُخَصِّصِهِ عِنْد النظام وَأبي هَاشم وَاخْتَارَهُ الإِمَام خِلَافًا لِلْجُبَّائِيِّ وَأَبِي الْهُذَيْلِ.

.الباب الثَّالِث عشر فِي فعله عَلَيْهِ السَّلَام:

وَفِيهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ:

.الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي دَلَالَةِ فِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:

إِنْ كَانَ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ ذَلِكَ الْمُجْمَلِ فِي الْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ أَوِ الْإِبَاحَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيَانًا وَفِيهِ قُرْبَةٌ فَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَابْنِ الْقَصَّارِ وَالْأَبْهَرِيِّ وَالْبَاجِيِّ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ لِلْوُجُوبِ وَعند الشَّافِعِي لِلنَّدْبِ وَعِنْدَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَالْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَأَكْثَرِ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى الْوَقْفِ وَمَا لَا قُرْبَةَ فِيهِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللِّبَاسِ فَهُوَ عِنْدَ الْبَاجِيِّ لِلْإِبَاحَةِ وَعِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا لِلنَّدْبِ وَأَمَّا إِقْرَارُهُ عَلَى الْفِعْلِ فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ.

.الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي اتِّبَاعِهِ:

قَالَ جَمَاهِيرُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُعْتَزِلَةِ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ فِي فِعْلِهِ إِذَا عُلِمَ وَجْهُهُ وَجَبَ اتِّبَاعُهُ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهوا} وَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ فِي الْوُجُوبِ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَلَّادٍ بِهِ فِي الْعِبَادَاتِ فَقَطْ وَإِذَا وَجَبَ التَّأَسِّي بِهِ وَجَبَ مَعْرِفَةُ وَجْهِ فِعْلِهِ مِنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ إِمَّا بِالنَّصِّ أَوْ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِمَّا عُلِمَ فِيهِ وَجْهُ ثُبُوتِهِ فَيُسَوَّى بِهِ أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ قِسْمَيْنِ فَيَتَعَيَّنُ الثَّالِثُ أَوْ بِالِاسْتِصْحَابِ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ أَوْ بِالْقُرْبَةِ عَلَى نَفْيِ الْإِبَاحَةِ فَيَتَعَيَّنُ النَّدْبُ وَبِالْقَضَاءِ عَلَى الْوُجُوبِ وَبِالْإِدَامَةِ مَعَ التَّرْكِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَلَى النَّدْبِ وَبِعَلَامَةِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ كَالْأَذَانِ وَبِكَوْنِهِ جُزْءًا لِسَبَبِ الْوُجُوبِ كَالنَّذْرِ تَفْرِيعٌ إِذَا وَجَبَ الِاتِّبَاعُ وَعَارَضَ فِعْلُهُ قَوْلَهُ فَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ وَتَأَخَّرَ الْفِعْلُ نَسَخَ الْفِعْلُ الْقَوْلَ كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِ أَوْ بِأُمَّتِهِ أَوْ عَمِّهِمَا وَإِنْ تَأَخَّرَ الْقَوْلُ وَهُوَ عَامٌّ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُسْقِطَ حُكْمُ الْفِعْلِ عَنِ الْكُلِّ وَإِنِ اخْتُصَّ بِأَحَدِهِمَا خَصَّصَهُ عَنْ عُمُومِ حُكْمِ الْفِعْلِ وَإِنْ تَعَقَّبَ الْفِعْلُ الْقَوْلَ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ وَعَمَّ القَوْل لَهُ الأمته عَلَيْهِ السَّلَامُ خَصَّصَهُ عَنْ عُمُومِ الْقَوْلِ وَإِنِ اخْتَصَّ بِالْأُمَّةِ تَرَجَّحَ الْقَوْلُ عَلَى الْفِعْلِ وَإِنِ اخْتَصَّ بِهِ جَازَ أَنْ يَكُونَ نَسْخُ الشَّيْءِ قَبْلَ وَقْتِهِ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صُحِّحَ الْقَوْلُ لِاسْتِغْنَائِهِ بِدَلَالَتِهِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَإِنْ عَارَضَ الْفِعْلُ الْفِعْلَ بِأَنْ يُقِرَّ شَخْصًا عَلَى فِعْلٍ فَعَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ضِدَّهُ فَيُعْلَمُ خُرُوجُهُ عَنْهُ أَوْ يَفْعَلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ضِدَّهُ فِي وَقْتٍ يُعْلَمُ لُزُومُ مِثْلِهِ لَهُ فِيهِ فَيَكُونُ نَسْخًا لِلْأَوَّلِ.